مدخل لقسط: حق النفس الصبر واليقين

مدخل القسط:

حق النفس: الصبر واليقين.

المحور الأول :الصبر واليقين المفهوم والتجليات

1- مفهوم الصبر

في اللغة: هو التحمل، وحبس النفس.

في الاصطلاح: خلق فاضل، يمكن صاحبه من حمل النفس على فعل الطاعات وترك المنكرات وعدم الجزع عند الابتلاءات.

2- تجليلت الصبر

الأول: الصبر على الطاعات: إذ النفس الإنسانية معتادة على الكسل والراحة والبخل فلا تؤدي العبادات فرضها ونفلها إلا بصبر وتصبر ولذلك أمر الله نبيه بالصبر في هذا المقام فقال سبحانه:(واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا) الكهف: 28. ولذلك فهذا النوع من الصبر يحتاج إلى رفقة صالحة. وقال سبحانه: (وآمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها)

الثاني: صبر على معصبة الله: بمعنى أن تحبس نفسك عن فعل المحرّم مع وجود الداعي له المرغب فيه كما فعل سيدنا يوسف عندما دعته امرأة الغزيز فقالت هيت لك.

الثالث: الصبر على الأقدار والمكاره: هو ان تصبر عند وقوع المصائب وتسلم امرك لله دون جزع او اعتراض ويحتاج ذلك إلى رسوخ إيمان ويقين بأن الله يختار لنا الخير دائما قال صلى الله عليه وسلم:(عَجَبًا لأَمْرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأَحَدٍ إلا للمُؤْمنِ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا لهُ) رواهُ مُسْلِم

وقال تعالى:(ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين) البقرة: 155.

وذلك كله صبر على تحمل الأمانة والمسؤولية سواء كانت عامة أو خاصة، وحفظ للحقوق الثلاثة كلها (حق الله وحق النفس وحق الغير أو الكون).

المحور الثاني: مفهوم اليقين وتجلياته:

 1- مفهوم اليقين

في اللغة: هو ضد الشك، وهو من يقن، يقينا أي ثبت ووضح

وفي الاصطلاح: طمأنينة القَلب، على حقيقة الشيءِ وتحقيق التصديق بالغيب، بإزالة كل شك وريب.

وهو خلق من أخلاق الرسل والأنبياء قال تعالى :(بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم) سورة يوسف الآية 83 .
2- تجليات اليقين

- التوكل على الله قال تعالى:(فتوكل على الله إنك علي الحق المبين).النمل الآية 79 .
- تعلق القلب بالله والرضى بحكمه وقضائه.

- المضي على الحق في الحياة بعزم وثبات.

- كمال الإيمان المؤدي للهدى والفلاح: قال تعالى: والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون) البقرة: 5.

 المحور الثالث: علاقة الصبر واليقين بالإيمان والعمل الصالح

اليقين أعلى من الصبر وأعم منه وهو مسببه فكلما قوي اليقين قوي الصبر وكلما ضعف ضعف وتظهر العلاقة بينهما بتفصيل في الآتي:

الأول: أن الصبر نصف الإيمان واليقين الإيمان كله كما قال ابن مسعود رضي الله عنه وإنما كان اليقين فوق الصبر لأن الإنسان قد يصبر لكن يورد الشيطان على قلبه الشكوك والخواطر السيئة.

الثاني: لا تتحقق ثمرات الإيمان إلا بالصبر واليقين فالرضا بالقضاء والقدر لا يحصل إلا لمن أيقن بموعود الله بالفرج والجزاء وصبر على بلائه، والخشوع في الصلاة لا يحصل إلا لمن أيقن بلقاء ربه وصبر عليها... وتضافرهما يؤدي إلى علاج الشك والوسواس والزهد في الدنيا وعدم الركون إليها...

الثالث: بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين ذلك أن القيادة وتحمل المسؤولية يحتاج إلى يقين بموعود الله بالنصر للمؤمنين وصبر على مشاق القيادة وابتلاءاتها في شتى مجالات تحمل المسؤولية السياسية والاجتماعية والإدارية ...

الرابع: الصبر ثمرة اليقين فعندما يوقن العبد بثواب الطاعات، والأعمال الصالحات، فإنه يصبر على طاعة الله، ويصطبر عليها، رغم مشقتها على النفس.

المحور الثالث: قبس من صبر ويقين الأنبياء والرسل

ما أعظم صبر الأنبياء والرسل عليهم السلام على تحمل المحن والشدائد وما أشد يقينهم بالله وإيمانهم بالقضاء والقدر ولنا في قصصهم صور ونماذج يحتدى بها :

النموذج الأول: في قصة يوسف عليه السلام صبر ويقين وتوضيح لعاقبة الصابرين أمام محن متنوعة صبره على كيد إخوته وظلمهم وصبره على غواية زليخة وصبره على السجن ظلما وعدوانا... ألوان من الابتلاء كلها قابلها بالصبر واليقين.. كلها أدت به إلى التمكين.

النموذج الثاني: ويضرب المثل في القرآن الكريم بأعظم صبر وهو صبر أيو ب عليه السلام،

حيث أبتلاه الله تعالى في ماله وولده وجسده فصبر صبرا جميلا قال تعالى: (وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين) سورة الأنبياء الآية 83.

النموذج الثالث: صبر الرسول صلى الله عليه وسلم على ابتلاءات تبليغ الرسالة؛ محنة الحصار في شعب أبي طالب والاستهزاء والوصف بالجنون والشروط المجحفة والظالمة في صلح الحديبية ويقينه بفرج الله وتعذيب أصحابه وإيذائهم، وإخراجه من وطنه...